اللعب التربوي و بيداغوجيا اللعب في التعليم الأولي بالمغرب

 اللعب التربوي و بيداغوجيا اللعب في التعليم الأولي بالمغرب  


مرحلة ما قبل التمدرس هي، بالنسبة للطفل في سنوات الطفولة المبكرة، مرحلة التعلم باللعب من خلال أنشطة تربوية تعتمد اللعب التربوي و الألعاب التعليمية الرقمية المناسبة كوسيلة مركزية في العملية التعليمية التعلمية. و ذلك لأن اللعب هو مركز إهتمام الأطفال بدون شك و طريق الوصول الى تعليمهم و تربيتهم و تنشئتهم تنشئة صحية سليمة، و هذا ما عملت على إثباته الكثير من النظريات العلمية في مجالات التعليم و التربية و الطفولة و أثبتته و أكدته الدراسات العلمية الحديثة. و يجب مراعات تعليمهم باللعب من خلال أنشطة تربوية و ألعاب تعليمية تدمج بين إهتماماتهم و قدراتهم العقلية و البدنية و النفسية و بين التعلمات و الكفايات المناسبة و التي يستطيعون قبولها و تعلمها في فترة الطفولة المبكرة أي في الست (6) و السبع (7) سنوات الأولى.

 و في هذا يقول الإمام الغزالي رحمه الله :(( إن دخول مملكة الأطفال لن يكون إلا من خلال السماح لهم باللعب , وإن منعناهم عنه فسنرهقهم في التعلم , وسنميت قلوبهم الصغيرة , ونبطئ ذكاءهم , وننغص عليهم العيش, حتى يطلبوا منه الخلاص )). و يروى عن بعض الحكماء أقوال كثيرة من بينها: ابنك ريحانتك سبع سنين ، وخادمك سبع سنين ، فإن صار ابن أربع عشرة سنة ، فإن أحسنت إليه فهو شريكك ، وإن أسأت إليه فهو عدوك، ولا ينبغي أن يُضرب بعد بلوغه ، ولا أن يُساء إليه ، لأنه حينئذ يتمنى فقد الوالد ليستبد برأي نفسه ، و من بلغ عشرين سنة و لم يصلح فبعيد صلاحه ، إلا أن الرفق متعين بالكل (بمعنى أن "الرفق" لا تناقش فائدته و وجوبه).

و يعد اللعب التربوي، حسب ما جاء في الدليل البيداغوجي للتعليم الأولي بالمغرب، الأداة الأكثر فاعلية في تعليم الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة في التعليم الأولي بوجه عام. خاصة و أن العديد من الخبراء و علماء النفس، يؤكدون على أن اللعب يعد الأداة الوحيدة للتعلم خلال السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل، والشكل الأساس الذي يميز أنشطته اليومية (57؛ 1992 ,Bouachrine)؛ ذلك أن الأطفال كثيرا ما يخبروننا بما يفكرون فيه و ما يشعرون به من خلال لعبهم التمثيلي الحر، واستعمالهم للدمى والمكعبات والألوان وغيرها. و أول قاعدة ذهبية في التعليم الأولي أو التربية ما قبل التمدرس هي إزالة الحدود بين اللعب والتعلم. لذلك يكتسي اللعب أهمية قصوى لدى الصغير على اعتباره سبيلا تربويا لتكوين شخصيته ونشاطا موجها لتنمية القدرات المعرفية والجسدية والوجدانية والحس حركية للطفل(ة). كما يعد عاملا قويا من عوامل تنمية الاهتمامات الاجتماعية خلال هذه الفترة. و هذا ما أكده كذلك جون ديوي في كتابه (المدرسة والمجتمع حين قال: إن المدرسة التقليدية هي تلك التي يقع مركز ثقلها خارج الطفل(ة)، إنه في المعلم أو الكتاب أو في أي مكان شئت، عدا الغرائز المباشرة للطفل (ة) نفسه وعن نشاطاته الذاتية»، وأضاف قائلا: «علينا أن ننطلق من الطفل (ة) ونتخذه هاديا ومرشدا. فالطفل (ة) هو المنطلق وهو المحور وهو الغاية».

- 1 -  تعريف اللعب:

لعب الأطفال الصغار يمكن تعريفه عموما بأنه كل نشاط مليء بالمرح و حرية الخطأ و خالي من العتاب. و هذه بعض التعاريف حول اللعب:

- أ - تعريف اللعب تبعا لبعض المعاجم و المراجع: 

يأتي اللعب في الكثير من المعاجم و الموسوعات مرادفا للهو و التسلية و نقيضا للجد. و هذه بعض التعاريف المختارة للعب في مفهومه المعاصر:

- تعريف اللعب تبعا لمعجم اللغة العربية المعاصرة: لعب الطفل أي تسلى و قام بما يلهيه؛

- تعريف اللعب تبعا للقاموس المحيط: اللعب هو مصدر للفعل لَعِبَ و هو ضد الجد و هذا يعني انتفاء صفة الجدية عن اللعب بعكس العمل.

- تعريف قاموس التربية لمؤلفه جود (Good): اللعب نشاط موجه أو غير موجه يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة والتسلية, ويستغله الكبار عادة ليسهم في تكوين سلوكهم وشخصياتهم بأبعادها المختلفة العقلية والجسمية والوجدانية.

- تعريف اللعب تبعا لموسوعة علم النفس: اللعب هو ضرب من النشاط الجسدي ينطوي على هدف رئيس هو اللذة و المتعة الناجمة عن ذلك النشاط .

- ب - تعريف اللعب تبعا لبعض الباحثين و الخبراء في المجال:

- جان بياجيه (عالم نفس سويسري): ترتبط نظرية جون بياجيه في اللّعب  ارتباطاً وثيقاً بتفسيره لنمو الذكاء، و يعتبر أن اللعب هو أداة مهمة في العملية التعليمية و التي تساهم بشكل أساسي في نموه العقلي و البدني و العاطفي، حيث أن وجود عمليتي التمثيل والمطابقة ضروريتان لنمو كل كائن عضوي. و هو أيضا عملية تمثل تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلاؤم حاجات الطفل. فاللعب والتقليد والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عملية النماء العقلي والذكاء للأطفال.

- تعريف ويني كامين: اللعب هو أي نشاط يمارسه الطفل دون أية ضغوط عليه من البيئة المحيطة به والمتمثلة في بيئته العائلية والاجتماعية, والبيئة الطبيعية. 

- تعريف بيرس: اللعب هو كل نشاط يقوم به الفرد لمجرد النشاط دون أدنى اعتبار للنتائج التي قد تنتج عنه بحيث يمكن الفرد الكف عنه أو الاسترسال فيه بمحض إرادته. 


- ث - تعريف اللعب حسب ما جاء في الدليل البيداغوجي للتعليم الأولي:

- اللعب هو ميل من أقوى الميول و أكثرها قيمة في التربية الاجتماعية والرياضية والخلقية فهو سلوك طبيعي وتلقائي صادر عن رغبة الشخص أو الجماعة. ففي الصغر يميل الطفل (ة) إلى اللعب الانفرادي، وكلما تقدم في السن زاد ميله إلى اللعب الجماعي. كما أن اللعب هو حب الطفل (ة) وملاذه وعالمه وحياته وأسعد لحظات حياته تلك التي يقضيها مع لعبته، يحادثها ويحكي لها حكاية، يحضنها ويحنو عليها، يشكو لها، يضربها، يبعثرها ، يفككها ويعيد تركيبها....

- اللعب هو حياة الطفل (ة) والوسيلة التي يدرك من خلالها العالم من حوله (سوزان اسحاق 1933)، فهي تؤكد على الطبيعة النافذة للعب وأنه يمثل جميع جوانب يوم الطفل (ة) ، كما أنها تجعلنا ندرك أن الطفل (ة) لا يفرق بين اللعب والعمل كما يفعل الكبار. اللعب نشاط منظم بمعايير وضوابط تحكم علاقات الأطفال وتمكنهم من التفاعل فيما بينهم ومع محيطهم، وتنمي مهاراتهم وقدراتهم في مختلف جوانب شخصيتهم.

- اللعب هو وسيلة من وسائل التعليم والتعلم وظفته ماريا مونتيسوري ضمن طريقتها التعليمية، إذ إنه يوفر حرية كبير لتنمية فعالية التدريب الحس حركي في عملية اكتساب المعارف.

- 2 - تعريف التربية :

 - «العمل الذي تمارسه الأجيال الراشدة على الأجيال التي لم تنضج بعد من أجل الحياة الاجتماعية، يكون هدفه تنمية الجوانب الجسدية والفكرية والخلقية التي يتطلبها منه المجتمع في جملته والبيئة الخاصة التي يعد لها بوجه خاص» (Durkheim, E. 1988).

 - « تفيد التربية، بمعنى أكثر تحديدا، سلسلة من العمليات يدرب من خلالها الراشدون (الآباء عموما) الصغار من نفس نوعهم، ويسهلون لديهم نمو بعض الاتجاهات والعادات. وعندما يستعمل اللفظ وحده، فإنه ينطبق في أغلب الأحيان، على تربية الأطفال» (1972 .Lalande, A). 

- «عملية تنمية متكاملة ودينامية تستهدف مجموع إمكانات الفرد البشري ( وجدانية وأخلاقية وعقلية وروحية وجسدية)» (Legendre, R. 1988).

- «نشاط قصدي يهدف إلى تسهيل نمو الشخص الإنساني وإدماجه في الحياة والمجتمع» (1974 .Leng, M).

- 3 - تعريف اللعب التربوي في التعليم الأولي:

اللعب التربوي (و يسمى أيضا اللعب البيداغوجي) هو أسلوب التعلم باللعب من خلال استثمار أنشطة اللعب في اكتساب المعرفة و تقريب مبادئ العلم للأطفال و توسيع آفاقهم المعرفية، وهو نشاط موجه يقوم به الأطفال لتنمية سلوكهم وقدراتهم، ولتحقيق المتعة والتسلية في الوقت نفسه. وقد أثبتت الدراسات التربوية القيمة الكبيرة للعب التربوي في التحصيل والتعلم. ذلك أن توفير كل الوسائل والإمكانات للطفل(ة)، والتي لا تختلف عن عالمه الذي يحب العيش فيه، وهو عالم اللعب من شأنه أن يضمن شد انتباهه واكتساب تركيزه، وإثراء المحصول المعرفي لديه، وكذا تفريغ الطاقات التي إن لم تترجم باللعب قد تترجم بطرق غير مرغوب فيها كالعنف مثلا.

 و يتخذ اللعب التربوي في مؤسسات التعليم الأولي بالمغرب طابعين اثنين:

- الطابع الأول: يتمثل في كون اللعب أداة بيداغوجية فعالة ودعامة أساسا تتمحور حولها كل الأنشطة التربوية المقترحة على الطفل (ة)؛ - الطابع الثاني: هو أن اللعب يشكل موقفا بيداغوجيا تنشيطيا يحفز القدرات المعرفية للطفل(ة)، ويعمل على تسهيل اکتساب مجموعة من المهارات المتنوعة، وتنمية الجوانب التخييلية والتواصلية والإبداعية لديه.

- 4 - تعريف بيداغوجيا اللعب في التعليم الأولي:

بيداغوجيا اللعب هي إحدى البيداغوجيات الحديثة التي ترتكز على اتخاذ اللعب منطلقا لبناء عملية التعليم والتعلم، وهي شكل من أشكال التدريس القريبة من الطبيعة الفطرية للأطفال، والتي تتميز بالميول إلى اللعب والحركية بشكل كبير. فالطفل(ة) في لعبه يعيش طفولته من خلال هذا اللعب ويتماهى مع أدواته وعناصره، ويستجيب لرموزه ومعانيه أي أنه يشكل بالنسبة للطفل(ة) حقيقة يعيشها بواقعه وخياله. وللعب تأثير بالغ في النمو العقلي وفي تشكيل شخصية الطفل (ة) ، ولذلك فإن تنمية شخصيته في مختلف جوانبها ينبغي أن تقوم لا على استبعاد اللعب من حياته، وإنما على حسن تنظيمه بحيث يؤدي إلى تكوين الخصائص البنائية للطفل(ة) في نموه.

 و في هذا الصدد يقول سيجموند فرويد: «الأمر المفضل والذي يحظى بالاهتمام أكثر لدى الطفل هو اللعب، وعليه فسيكون من الظلم القول إنه لا يأخذ هذا العالم على محمل الجد».

- 5 - أهمية بيداغوجيا اللعب في التعليم الأولي:

يتعلم الطفل (ة) بشكل أفضل عندما يتمحور التعلم على مراكز اهتمامه وأكثر من ذلك في حالة التعلم باللعب. هذه الطريقة الترفيهية تبرز له معنى العمل من خلال اللعب الذي يعد وضعية حقيقية أصيلة للتعلم، لذلك تتجلى أهمية بيداغوجيا اللعب في ما يلي:

- تنمية الاستراتيجيات المعرفية الحديثة لدى الأطفال (تحديدا الميتا معرفة التفكير في التفكير)؛

- التربية على التنافس الشريف (خاصة في إطار الألعاب التعاونية : سأساعدك على أن تتطور لكي نفوز معا)؛ 

- تنمية التفاعلات المتبادلة بين الأطفال، خصوصا عندما يصيرون قادرين على تنشيط مجموعة من الألعاب بأنفسهم؛

- التدبير الناجع للإيقاعات البيولوجية للأطفال؛

- 6 - معيقات بيداغوجيا اللعب في التعليم الأولي :

- اعتقاد البعض أن اللعب مقرون فقط بالمرحلة ما قبل المدرسية، ما يجعلهم يعاملون أطفال حتى المرحلة الابتدائية على أنهم كبار؛

- النظر إلى أن اللعب مضيعة للوقت على حساب التعلمات؛

- الشعور بأن اللعب هدر للجهد ولا يدر أية منفعة على الطفل(ة).

- 8 - دور و أهمية اللعب التربوي في التعليم الأولي:

للعب التربوي أهمية قصوى في حياة الأطفال، تتجلى فيما جمعه الأستاذ محمد بسام في كتابه (النشاط التمثيلي للطفل) من ملخص عدة أقوال في هذا الصدد منها: « ينمو الطفل ويتعلم باللعب فاللعب هو تربية للجسم والشخصية والذكاء». 

من هنا يساهم اللعب في نمو النشاط العقلي المعرفي وفي الوظائف العقلية العليا كالإدراك والتفكير والذاكرة والكلام.

و لا يقف دور اللعب عند هذه الجوانب في شخصية الطفل (ة)، بل يتعداه إلى الجانب الاجتماعي، إذ يؤدي اللعب دورا بناء في نضج الطفل (ة) اجتماعيا واتزانه انفعاليا». بالإضافة إلى ذلك، يستعمل اللعب التربوي أيضا بوصفه طريقة من طرق العلاج لمجموعة من الاضطرابات النفسية والسلوكية عند بعض الأطفال، بحيث يصبح اللعب بمثابة «تطهير» يتم عن طريقه تفريغ الانفعالات الحبيسة المتعلقة بالمشاعر المرتبطة بالعدوانية في جو يوحي بالطمأنينة والأمن.

كما تبرز أهمية اللعب التربوي في طريقة مونتيسوري التي اعتمدته في التربية برياض الأطفال، عبر إنجاز مجموعة من الأنشطة والوضعيات البيداغوجية المنطلقة من مبدأ وظيفة الفعالية الحسحركية، أي تربية الحواس، كأساس لتنمية العمليات الذهنية؛ إذ تشمل هذه التربية:

- تربية حاسة اللمس، حيث يلمس الطفل (ة) الأشياء ويتعرفها ويميز بينها؛

- تربية البصر بإدراك الأشياء والألوان والتمييز بينها؛

- تربية السمع بسماع الموسيقى وتمييز الأصوات؛

- تربية الذوق والشم؛

وتشمل هذه الأنشطة التعليمية الرسم والكتابة والحساب والنحو؛ أما أدوات التعليم فتشمل الأشكال الهندسية والحروف المجسمة أو المدونة على الورق، وقطع الكارتون أو الورق المقوى والقضبان المنبسطة.

- 9 - أهداف اللعب التربوي في التعليم الأولي:

- يساهم في إحداث تفاعل الفرد مع عناصر البيئة لغرض التعلم وإنماء الشخصية والسلوك؛

- يساعد في بناء التعلمات وتقريب المفاهيم وإدراك معاني الأشياء؛

- اللعب وسيلة لتنمية الثقة بالنفس والنجاح والتنفيس وتحقيق المتعة؛

- اللعب يعتبر أداة فعالة في تفريد التعلم وتنظيمه لمواجهة الفروق الفردية وتعليم الأطفال وفقاً لإمكاناتهم وقدراتهم؛

- يعتبر اللعب طريقة علاجية يلجأ إليها المربون لمساعدتهم في حل بعض المشكلات التي يعاني منها بعض الأطفال؛ 

- يشكل اللعب أداة تعبير وتواصل بين الأطفال وتحقيق للتفاعل الاجتماعي؛

- تعمل الألعاب على تنشيط القدرات العقلية وتحسن الموهبة الإبداعية لدى الأطفال.

- 10 - وظيفة اللعب التربوي في التعليم الأولي:

الشيء المؤكد اليوم، أن التربية الحديثة تجعل من اللعب وسيلة لتنمية قدرات الطفل و تنمية الذكاء و التفكير الابتكاري منذ السنوات الأولى، كما تعمل على توفير مجموعة من اللعب في دور الحضانة و رياض الأطفال و كذا مؤسسات و فصول التعليم الأولي، حيث يقوم مبدأ استخدام الألعاب في عملية التعلم بهذه المرحلة، على فكرة دمج التحصيل الدراسي مع التسلية، مما يؤدي إلى توليد نوع من الإثارة و التشويق لدى الطفل (ة)، تسهم في تحسين اتجاهاته نحو عملية التعلم، و تزيد من دافعيته و رغبته.

- 11 -  فوائد اللعب في التعليم الأولي:

من بين أهم فوائد اللعب التربوي للطفل نذكر ما يلي:

- يؤكد الطفل ذاته من خلال التفوق على الآخرين فردياً و في نطاق الجماعة؛

- يكتسب الطفل الثقة بالنفس و الاعتماد عليها و يسهل اكتشاف قدراته و اختبارها؛

- يتعلم الطفل التعاون و احترام حقوق الآخرين؛

- يتعلم الطفل احترام القوانين والقواعد ويلتزم بها؛

- يعزز الطفل انتماءه للجماعة؛

- يساعد الطفل في نمو الذاكرة و التفكير و الإدراك و التخيل.

- 12 - أشكال الألعاب التربوية في التعليم الأولي:

تؤكد وثيقة الإطار المنهاجي للتعليم الأولي أنه عند اعتماد اللعب كقاعدة أساس للاشتغال، فإن كل نشاط تربوي، مهما كان مجاله التعلمي، ينبغي أن ينجز من خلاله، مع برمجة دقيقة لمراحل الإنجاز ووسائل العمل التي تمنح للأطفال فرص الانطلاق و الانخراط الوظيفي في النشاط و الفعل المميزين للطرائق الفعالة، و ذلك أثناء عملية و سيرورة التعلم. و هذا النشاط نشاط داخلي ينبغي أن تحركه الحاجة والاهتمام.

 و يتخذ نشاط اللعب في هذه المرحلة أشكالا متعددة منها: 

- اللعب الفردي؛

- اللعب الثنائي؛

- اللعب ضمن مجموعات صغرى؛

- اللعب الجماعي؛

- اللعب داخل القاعة و اللعب خارج الفصل.....؛

- 13 - أنواع أو أصناف اللعب التربوي في التعليم الأولي:

 توجد مجموعة معينة من أنواع اللعب للأطفال من شأنها أن تضفي على العملية التربوية وأنشطة التعلم طابع الدينامية ويميز المتخصصون بين أصناف اللعب المتعددة انطلاقا من تنوع المعايير التي تم اعتمادها في كل تصنيف، حيث تعد معايير النمو والتطور من أهم الوسائل التي سمحت بالتمييز بين الأنواع التالية من اللعب:

- الألعاب الحسية والحركية:

وتتمثل في ثلاثة أشكال وهي:

 - الألعاب البسيطة التي تعتمد تصرفا خرج عن إطاره الأصلي، وأضحى الطفل(ة) يقوم به في وضعيات أخرى حتى وإن لم تكن ملائمة كفتح الباب وإغلاقه دون غرض واضح

 - الألعاب الترتيبية أو التوليفية بدون هدف: كاللعب بمجموعة من الأحجار بوضع الواحد فوق الآخر دون تصميم مسبق يوضح الهدف من ذلك.

- الألعاب التركيبية واضحة الهدف: وتتجلى عندما يلعب الطفل بغرض المتعة أو تحقيق إنجاز في مسألة ما كالقفز أو الجري وهذا الصنف من الألعاب يسود لدى الطفل قبل السنة الرابعة

- ألعاب التركيب:

يميز هذا النوع من اللعب المرحلة المتأخرة من الطفولة (9) (12) ، ويتسم بكونه أقل إيهامية وأكثر بنائية، ويتضح من خلال الألعاب المنزلية. وقد يظهر هذا اللعب على شكل تمثيل «حقيقي» للعالم الخارجي. ونظراً لأهمية هذا النوع من الألعاب، فقد اهتمت وسائل التكنولوجيا المعاصرة بإنتاج العديد من الألعاب التركيبية التي تتناسب مع مراحل نمو الطفل(ة)، كبناء منزل أو مستشفى أو مدرسة أو نماذج للسيارات والقطارات من المعادن أو البلاستيك أو الخشب وغيرها، مع مراعاة الخصائص الواقعية للأشياء الفعلية، حيث تتم عملية التركيب باعتماد خطة للعب وتسمية عناصر اللعبة. ولهذا النوع من اللعب دور مهم في تنمية مهارات لها علاقة بالتفكير العلمي كالمقارنة والتنبؤ والملاحظة والتحليل والتصنيف، كما ينمي مفاهيم أساسية في الرياضيات كالمساحة والطول والتسلسل والأعداد.

- الألعاب التلقائية:

هي عبارة عن شكل أولي من أشكال اللعب، حيث يلعب الطفل (ة) حراً وبصورة تلقائية بعيداً عن القواعد المنظمة للعب. وهذا النوع من اللعب يكون في معظم الحالات فردياً وليس جماعياً حيث يلعب كل طفل (ة) كما يريد، ويميل الطفل في مرحلة اللعب التلقائي إلى التدمير، وذلك بسبب نقص الاتزان الحسي الحركي. إذ يجذب الدمى بعنف ويرمي بها بعيداً وعند نهاية العام الثاني من عمره يصبح هذا الشكل من اللعب أقل تلبية لحاجاته النمائية، فينصرف عنه تدريجياً ليفسح المجال أمام شكل آخر من أشكال اللعب.

- الألعاب الرمزية:

قد يظهر اللعب الرمزي بعدة أشكال منها على الخصوص إسقاط رموز أو شيمات schemes المحاكاة على موضوع معين كأن تأمر الطفلة الدمية قائلة لها: «ابكي»، فتصور بنفسها صوتا كالبكاء، أو تمثيل موضوع آخر (امتطاء الوسادة محل فرس)، أو إدماج العالم الخارجي في إطار خيالي خاص. ويرى بياجيه أن اللعب الرمزي يبدأ حوالي السنة الثانية من عمر الطفل(ة)، وهو خليط من أحداث ومواقف سبق أن عاينها الطفل بالفعل، بالإضافة إلى أحداث متخيلة نشأت من الربط بين الأحداث المتوالية في عالمه، ليصبح بعد ذلك، وبالتدرج عند بلوغه السنة الرابعة قادرا على تذكر الحوادث بتسلسل منتظم، ويصير اللعب الرمزي أكثر تماسكا، إلى درجة أنه حينما يحاول الكبار التدخل يقابل ذلك من الطفل بعدم الارتياح.

- الألعاب المقعدة:

تدخل الألعاب المستندة إلى قاعدة في حياة الطفل بعد السنة السابعة وتتجلى أكثر في اللعب الجماعي، حيث يستشعر الطفل شيئا فشيئا ضرورة الالتزام بقاعدة اللعب ما دام الجميع يخضع لها.

- الألعاب الثقافية:

هي أساليب فعالة في تثقيف الطفل حيث يكتسب من خلالها معلومات وخبرات ومن الألعاب الثقافية القراءة والبرامج الموجهة للأطفال عبر الإذاعة والتلفزيون والسينما ومسرح الأطفال، وسنقتصر في مقامنا هذا على القراءة، التي تعد خبرة سارة للطفل(ة) الصغير، وخاصة إذا كان جالساً في حضن أمه، أو شخص عزيز عليه كما يقول جيرسيلد. ويمكن تبين الميل نحو القراءة عند الأطفال في سن مبكرة حيث تجذبهم الكتب المصورة والقصص التي يقرؤها الكبار لهم، ويحب الطفل (ة) في هذه السن الكتب الصغيرة ليسهل عليه الإمساك بها. وغالباً ما يميل الأطفال الصغار إلى القصص الواقعية، بينما أن لاتجاه الأم نحو الخيال تأثيرا هاما في تفضيل الطفل للقصص الواقعية أو الخيالية. ويفضل معظم الصغار القصص التي تدور حول الأشخاص والحيوانات المألوفة في حياتهم، ويميلون إلى القصص الكلاسيكية مثل (سندريلا) - وعلي بابا والأربعين حرامي)، كما يميلون إلى القصص العصرية التي تدور حول الفضاء والقصص الفكاهية والدرامية، وتشدهم أيضاً في سنوات ما قبل المدرسة، بسبب ما يتصفون به من إحيائية (animisme) القصص التي تدور حول حيوانات تسلك سلوك الكائنات الإنسانية (ويلسون (1943). 

- الألعاب الفنية:

تدخل في نطاق الألعاب التركيبية وتتميز بأنها نشاط تعبيري فني ينبع من الوجدان والتذوق الجمالي، في حين تعتمد الألعاب التركيبية على شحذ الطاقات العقلية المعرفية لدى الطفل. و من ضمن الألعاب الفنية رسوم الأطفال التي تعبر عن التألق الإبداعي عند الأطفال الذي يتجلى في الخربشة. ويعبر الرسم عما يجول في عقل الطفل لحظة قيامه بهذا النشاط، ويعبر الأطفال في رسومهم عن موضوعات متنوعة تختلف باختلاف العمر. فكما يعبر الصغار في رسومهم عن أشياء وأشخاص وحيوانات مألوفة في حياتهم، فهم أيضا يركزون أكثر على رسوم الآلات والتعميمات ويتزايد اهتمامهم برسوم الأزهار والأشجار والمنازل مع تطور نموهم. وتشتمل رسوم الأولاد على الطائرات والدبابات والمعارك في حين تندر مثل هذه الرسوم عند البنات. ويمكن أن نرجع ذلك إلى أسلوب التربية والتفريق بين الصبيان والبنات من حيث الأنشطة التي يمارسونها والألعاب التي يقومون بها، ومما يؤثر في نوعية الرسوم أيضاً المستويات الاقتصادية والاجتماعية للأسر إلى جانب مستوى ذكاء الأطفال.

- الألعاب الترويجية و الرياضية:

يعيش الأطفال أنشطة أخرى من الألعاب الترويحية والبدنية التي تنعكس إيجابا عليهم، فمنذ النصف الثاني من العام الأول من حياة الطفل(ة) تشد اهتمامه بعض الألعاب البسيطة التي يشار إليها غالباً على أنها «ألعاب الأم». لأن الطفل(ة) يلعبها غالباً مع أمه. وفي سنوات ما قبل المدرسة يهتم الطفل (ة) باللعب مع الجيران حيث يتم اللعب ضمن جماعة غير محددة من الأطفال فيقلد بعضهم بعضاً وينفذون أوامر قائد اللعبة وتعليماته وألعاب هذه السن بسيطة وكثيراً ما تنشأ في الحال دون تخطيط مسبق وتخضع للتعديل في أثناء الممارسة. وفي حوالي الخامسة يحاول الطفل (ة) أن يختبر مهاراته بلعبة السير على الحواجز أو الحجلة على قدم واحدة أو نط الحبل، وهذه الألعاب تتخذ طابعاً فردياً أكثر منه جماعياً، بينما يتخلى الأطفال عن هذه الألعاب في سنوات ما قبل المراهقة ويصبح الطابع التنافسي مميزاً للألعاب إذ يصبح اهتمام الأطفال متمركزاً على التفوق والمهارة والألعاب الترويحية والرياضية لا تبعث على البهجة في نفس الطفل فحسب، بل إنها ذات قيمة كبيرة في التنشئة الاجتماعية، ذلك لأنها تحقق فوائد مهمة للأطفال كالانسجام مع الآخرين وكيفية التعاون معهم، وتعلم المهارات الحركية والاتزان الحركي والفاعلية الجسمية إذ ينعكس ذلك إيجابا على تنشيط الأداء العقلي ونمو الذكاء وعلى الشخصية بمجملها كما أثبتت بعض الدراسات.

- 14 - محطات استخدام الألعاب في الدرس في التعليم الأولي:

هناك ثلاث محطات رئيسة في النشاط يمكن للألعاب التربوية أن تستخدم فيها بشكل فعال، خاصة الألعاب التي تستغرق مدتها ما بين 5 و 15 دقائق، وينبغي أن تكون منسجمة مع اللحظات الثلاث الأساسية التي تنجز فيها أنشطة المجال التعلمي وفق تصور منهجي يأخذ بعين الاعتبار بناء السلوك عبر منحنى متدرج يشتغل فيه الطفل (ة) من البداية إلى النهاية، وهي: 

- أولا: الملاحظة والاكتشاف: ألعاب التمهيد و التشويق، وتنجز في بداية الدرس، لكسر الجمود وإثارة الدافعية والانتباه، والهدف إشعار المتعلمين بالحيوية والراحة كي يكونوا مستعدين للتركيز والتعاون في ما بينهم.

- ثانيا: الممارسة والبناء: ألعاب التعلم و الاكتساب، وتقدم كجزء من نشاط التعلم بهدف إرساء وبناء مفهوم معرفي أو مهارة أو تقنية كتعلمات جديدة، في إطار من التعاون والتكامل والتقاسم مع الأقران

- ثالثا: التطبيق والتوظيف: ألعاب الاستعمال، وتهدف إلى تعزيز وتثبيت وترسيخ تعلم تم تعرفه واكتسابه، مع الانتقال به إلى وضعيات جديدة تبرز مدى تمكن الطفل (ة) منه.

كما تتم ممارسة ألعاب الاسترخاء والتقويم، كمحطة ختامية في نهاية النشاط، ويكون الهدف منها هو إرجاع الأطفال إلى حالة البداية والراحة البدنية والنفسية بعد المجهود الفكري المبذول في النشاط، وقد تهدف كذلك إلى التأكد من درجة تمكن المتعلمين من التعلمات المستهدفة بالدرس.

- 15 - الشروط الواجب توفرها في اللعبة التربوية في التعليم الأولي:

تتفق الأدبيات التربوية على أن اللعبة التربوية، وحتى تكون عاملا مساعدا في نجاح أنشطة عملية التعليم والتعلم، لا بد أن تشتمل على عدد من الشروط أهمها أن:

- تكون للعبة أهداف تربوية واضحة ومحددة مرتبطة بالمنهاج الدراسي، ومثيرة وممتعة في الوقت نفسه؛ 

- تكون تعليمات اللعبة مختصرة ومحددة وقواعدها واضحة وسهلة التطبيق؛

- تكون اللعبة مناسبة لخبرات وقدرات وميول الأطفال وتتخللها مهارات وعمليات تدريبية وظيفية؛

- تشتمل اللعبة على عناصر الإثارة والتشويق والتعزيز لضمان استمرارية التعلم؛

- تتضمن مستويات متدرجة من الصعوبة تناسب مستويات الأطفال، وتشعرهم بالحرية والاستقلالية في اللعب؛ 

- تكون اللعبة من بيئة الطفل (ة) وتسهل ممارستها في ضوء الإمكانات المتاحة؛

- توفر شروط السلامة والأمن لكل من سيمارسها ( وفي هذا الصدد يجب التأكد من أن اللعب التي يتم اختيارها لا تلحق الأذى بالأطفال والتأكد من كونها غير قابلة للبلع، غير مصنوعة من مواد ضارة بالصحة لا تتضمن أجزاء صغيرة يمكن وضعها في الفم أو الأذن، سهلة التنظيف عدم توفرها على حواف وزوايا حادة.....).




التالي السابق
No Comment
إضافة تعليق
رابط التعليق